أحمد النجار (دبي)

لم تتجاوز الدراما المحلية حاجز الموسمية بحسب منتجين يعملون بنظام «منتج منفذ»، يشكون غياب التمويل خارج السباق الرمضاني، يعتبرون أي مجازفة بتنفيذ فكرة إنتاج عمل درامي دون ضوء أخضر من جهة تلفزيونية بمثابة صفقة خاسرة، ومغامرة غير محسوبة النتائج، نظراً إلى افتقارهم بالطبع إلى سلطة تسويق العمل في محطات عربية بديلة، فيما يؤكد مسؤولون في القطاع التلفزيوني، أن التمويل مستمر، ولم ينقطع عن دعم الإنتاج الدرامي، كجزء من مسؤولياتهم المجتمعية والثقافية، ويعزون الحضور الخجول للدراما ضمن خارطتهم البرامجية إلى جملة محددات تجارية واقتصادية تهدف إلى تحقيق موازنة متناغمة لجذب المشاهدين عبر التنويع في المنتوج الدرامي الجاذب، فضلاً عن سطوة المعلنين الذين يضعون شروطاً لا تنطبق مع الدراما المحلية للدخول كرعاة وكشركاء فاعلين، ويلعب الجمهور دوراً مهماً في تحديد خياراته بعيداً عن الدراما المحلية، لافتقارها العناصر الحديثة في جودة القصة وجمال الشكل وهيبة المحتوى الذي يراهن على تقنيات التشويق وجوهر القيمة والترفيه الهادف.

عبر هذا التحقيق الاستقصائي، رصدت «الاتحاد» إشكاليات صناعة الدراما المحلية وخطوات إنتاجها من الصفر، ابتداءً من تحويل النص أو القصة إلى عمل درامي مرئي، حيث تتم صناعتها عبر مثلث التلفزيون، كممول رئيسي، و«المنتجين المنفذين» كمسؤولين عن ترجمة السيناريو وصياغة المحتوى برؤية إخراجية، إلى جانب حضور المعلن كسلطة مساهمة تركز مؤسسات التلفزيون على استهدافها واستقطابها لتنويع مصادر دخلها تحقيقاً للربح وتغذية لميزانيتها وصرفياتها.

فخ التكرار
من جهة ثانية، يلخص صناع دراما سواء ممثلين ومخرجين وكتاباً، القضية في إشكاليات الدراما المحلية والتي تكمن في مأزق التمويل وفخ التكرار والركاكة، إلى جانب عدم وضوح الرؤية الإنتاجية للعمل، ويجدون تحديات إبداعية لاختراق كلمة السر في تحقيق معادلة الجذب والربح التجاري ولحصد أصداء نجاح جماهيري، من دون أن يخفوا هواجسهم الفنية المتمثلة في شح الكوادر التمثيلية والفنية المتخصصة أكاديمياً، وهذا لا يتحقق بمعزل عن اضطلاع المؤسسات التعليمية والثقافية بدورها المجتمعي في دعم صانع الدراما المحلي عبر منح وبعثات وحجز مقاعد دراسية للتخصصات المطلوبة، مع ضمان توفير وظائف مستقبلية مضمونة لتكون مصدر دخل يعول عليها.

حضور خجول
يرى المنتج الإماراتي د. حبيب غلوم، أن التلفزيونات المحلية لها سلطة مطلقة في تمويل وإنتاج الأعمال الدرامية المحلية كونها المتحكم الرئيس الذي يعطي الضوء الأخضر لانطلاق المنتج والمخرج لتنفيذ العمل الدرامي، مشيراً إلى أن حضور الأعمال الدرامية على الشاشات المحلية لا يزال خجولاً، ولا يلبي الطموح المنشود، مشيراً إلى أن الخارطة البرامجية للتلفزيونات المحلية تفرد مساحات كبيرة للمنتج الدرامي العربي والخليجي وغيره على حساب العمل الدرامي المحلي، وأشار غلوم إلى أن المنتج الإماراتي يعمل تحت نظام «منتج منفذ»، ويعتمد على الدعم الحكومي وتمويل التلفزيونات المحلية، موضحاً أن المنتج لو فكر بالمجازفة على إنتاج عمل بتمويل شخصي، فلن يضمن أن التلفزيون سوف يشتري هذا المسلسل ويقوم بعرضه، لذا نحتاج من التلفزيون التعامل مع المنتجين المحليين كمبادرات وطنية للحفاظ على حضور الفنان الإماراتي وصون الثقافة وحماية التراث، داعياً إلى تعزيز روابط الشراكة بين المنتج والتلفزيون لتوجيهها نحو صناعة هدف مشترك لخدمة المجتمع. وأضاف غلوم: «نقدر وجهة نظر إدارات التلفزيونات لعدم وجود معلنين في الأيام العادية، ونأمل أن يتفهموا وضع المنتج المحلي الذي لا حيلة له بالإنتاج والتسويق، وقال غلوم إن الدراما المحلية ينقصها التمويل السخي، وبحاجة ملحة إلى صناعة نجوم جدد من الكوادر التمثيلية الصاعدة، وتأهيل مخرجين وكتاب السيناريو ومصورين من خلال إيفادهم للدراسة بالخارج وتشجيع التخصص الأكاديمي في الجامعات، مع توفير بعثات ومقاعد دراسية لمواطنين في مجالات الكتابة والتصوير والإخراج، وإعطاء ضمانات لتوفير فرص وظيفية لهم عند تخرجهم.

روايات على الشاشة
وهُناك تحديات يعيشها المنتج الإماراتي الذي يتهم بأنه وراء ضعف المنتج الدرامي، لكن المنتج سلطان النيادي، اعتبر أن الأعمال المحلية تفتقر إلى التسويق، وقال: ليس لدينا «سلطة تسويقية»، للمنتج الدرامي، مشيراً إلى أن بعض الأعمال الدرامية يتم قبولها ورفضها من المسؤولين في التلفزيون من دون معايير واضحة، وأشاد النيادي بتجربة أبوظبي للإعلام في إطلاق مبادرة تحويل الرواية إلى نص درامي قابل للتنفيذ كمسلسل، والتي ستنعكس، بحسبه، في تغيير خارطة الدراما المحلية في ظل استراتيجية الإدارة الجديدة، كما أنها تتبنى دعم وإثراء الحياة الدرامية وتشجيع المخرجين والمنتجين للانطلاق في أعمال جديدة. ولفت النيادي إلى أن تلفزيون أبوظبي ودبي واستوديوهات عجمان كان لها الدور الريادي المهم في خلق تنوع درامي عربي، وقد شهدت العين وأبوظبي تصوير معظم الأعمال العربية التاريخية والبدوية.
إنتاج أعمال درامية بتمويل ذاتي من قبل المنتج نفسه، فكرة جيدة، لكنها تمثل مجازفة غير مضمونة، وفق النيادي، كونها قد تلحق خسائر مادية ومعنوية على المنتج، خاصة إذا لم يجد المنتج موافقة مسبقة من التلفزيون لعرض مسلسله، وهناك محطات عربية عاملة في الإمارات تستبعد الدراما المحلية من خارطتها لأسبابها الخاصة.
ورأى النيادي أن الحل يكمن بضرورة توجيه رؤوس أموال لرجال أعمال لخدمة ودعم الدراما بسخاء كجزء من مبادراتهم المجتمعية، وهم بالمناسبة يدعمون دراما عربية، كما يجب على المحطات رسم سياسات داعمة للدراما لا تخضع لمزاجية أي جهة لأن الدراما مرآة للشعوب وشاهدة على ثقافتها ورسالة تراثها، كما يتحتّم على المنتجين أنفسهم اختيار أعمال جادة تجسد واقعنا وتلامس قضايا مجتمعنا وتواكب التطور الذي تشهده الإمارات على الصعد كافة. ولفت النيادي إلى معضلة كبيرة يعانيها صناع العمل الدرامي، وهي عدم وجود تسهيلات في مواقع التصوير من قبل بعض الجهات، سواء في الموافقات بإصدار الرخص، حيث تدفع مبالغ كرسوم لقاء استخراجها، ما يصعب على المنتج تناول البيئة العمرانية وتقديم معالم سياحية ثقافية لاستعراض جمال وخصوصية البلد، في حين تعطى تلك التسهيلات لأعمال عالمية، لا تتعاطى أحياناً مع الصورة بالشكل المأمول.

بين الجذب والربح
وفي مقابل ذلك، يرى مسؤولون في قطاعات التلفزيون، أن «بعض» صناع الدراما يفتقرون إلى خبرات وكوادر فنية متخصصة في صناعة دراما قوية ومنافسة، سواء كانوا كتاب سيناريو جيدين أو مخرجين يقودون عملاً متميزاً قادراً على تسويق نفسه، فقد أكد عمر غباش، مستشار شؤون الدراما والإنتاج في مؤسسة دبي للإعلام، أن التلفزيونات المحلية هي المتحكم الفعلي بالمنتج الدرامي، كونها الممول الفعلي والمنتج الحقيقي وصاحبة سلطة العرض، مشيراً إلى أن شركات الإنتاج المحلية بالفعل تعمل بنظام «منتج منفذ»، وهي مستفيدة من هذا الأمر بالطبع، حيث إن الوضع الطبيعي أن تقوم المؤسسات الإعلامية بالإنتاج لتغطية مساحاتها البرامجية، لكنها لا تمتلك ضمن قطاعاتها أذرعاً إنتاجية متخصصة في العمل الدرامي، لذلك تكلف شركات إنتاج أخرى، سواء محلية أو عربية لتنفيذ خططها وسد احتياجاتها الدرامية.


وأضاف غباش أن التلفزيونات المحلية، سواء حكومية أو خاصة تحتاج إلى تحقيق موازنة في تنويع محتواها البرامجي، من صنوف درامية مختلفة، مركزين على الدراما العربية، كونها تشكل جذباً لوكالات الإعلان والشركات التجارية، حيث إن التلفزيونات لديها مسؤوليات ومصاريف اقتصادية تتم تغطيتها من بوابة المعلنين، فضلاً عن ضرورة تحقيق الربح عن طريق الإعلانات والرعايات.
لكن غباش في الوقت نفسه، لم يبرئ ساحة التلفزيونات المحلية، مؤكداً مسؤوليتها عن دعم وإنجاح الدراما المحلية، سواء من خلال تكثيف إنتاجها أو التدقيق باختيار وإجازة نصوص مكتوبة بشكل جيد، واختيار منتجين متمكنين من تقديم أعمال ناجحة مع ضرورة وجود متابعة دقيقة على المحتوى الدرامي لاعتماد المنتج النهائي. ونفى غباش أن يكون هناك افتقار كبير إلى الكوادر المتخصصة في صناعة الدراما نفسها، منطلقاً من شهرة الفنان الإماراتي وانتشاره بشكل كبير في أعمال درامية خليجية، خاصة في البحرين والكويت والسعودية وغيرها، أمثال أحمد الجسمي، وسعيد سالم، وهدى الخطيب، وفاطمة الحوسني، وبدرية أحمد، وجابر نغموش، وعبد الله زيد.

غياب رؤية
ولدى الكاتب والمخرج والناقد الفني منصور اليبهوني الظاهري، وجهة نظر مختلفة، حيث يلقي بالمسؤولية على الشركات العاملة بنظام «منتج منفذ» وإدارات التلفزيونات المحلية في إشكالية الموسمية وضعف المحتوى الدرامي المحلي، إضافة إلى الوقوع في فخ التكرار وتعامل إدارات التلفزيونات مع المنتج نفسه والفريق التمثيلي الذي لم يحرز في مسلسلاته السابقة أي نجاحات جماهيرية تضاف إلى رصيده، وبالتالي الدوران في حلقة مفرغة والاستمرار في أعمال ضعيفة لا تحقق الربح التجاري أو تحقق مشاهدات عالية ترقى إلى مستوى مقنع للمعلنين.
واعتبر الظاهري أن المشكلة الجوهرية في تراجع الإنتاج الدرامي تبدأ من غياب الرؤية الفنية والرقابة والمتابعة الدقيقة الفاحصة لحيثيات عملية الإنتاج، معتبراً أن بعض المنتجين الذين يعملون تحت يافطة «كيانات وهمية» يفتقرون للخبرة والإمكانات والمعدات والكوادر المتخصصة، ويفترض أن يكون التلفزيون شريكاً في الإنتاج وليس مجرد حاضراً كممول، ويجب الانتصار للأفكار الجيدة في النصوص والتجرد من الذوق الفني المتحكم، ورسم سياسات ومعايير واضحة لتقييم المنتج الدرامي قبل عرضه من خلال «حلقة نموذجية» أو «برومو جاد» لرصد انطباعات الجمهور وقياس حجم المشاهدات المتوقعة وجذب المعلنين على ضوئه قبل تنفيذ 30 حلقة قد لا تلقى قبولاً ولا ومتابعة، وربما تكبد المحطة خسارة إنتاجية كبيرة.

ليست سلعة
وطالب الظاهري الإدارات المعنية في التلفزيونات بإعادة دراسة أعمال لم تحقق النجاح المرتجى، من خلال مراجعة دقيقة للمحتوى، والوقوف على مكامن القصور التي حالت دون جذب عدد المشاهدات أو تحقيق عوائد تجارية مهمة، إلى جانب «فلترة» شركات الإنتاج التي قدمت أعمالاً ركيكة في مواسم سابقة، وتوجيه البوصلة نحو شركات أخرى تتمتع برصيد خبرات موثوقة وتتمتع برؤية إنتاجية حديثة ومواكبة للإيقاع الإبداعي وخطوط التطور الدرامي العالمي. لافتاً إلى أن الدراما ليست مجرد سلعة، بل هي «صناعة عالمية» تدخل ضمن نطاق الترفيه الذي يحقق عوائد سنوية تتجاوز حاجز 2 تريليون دولار ضمن عناصر أخرى كالموسيقى والألعاب والترفيه، كما يتعين عمل دراسة موضوعية بطريقة اقتصادية علمية لمحاكاة ومنافسة شركات عالمية بهذا المجال لحجز مكانها في خارطة النجاح والانتشار العالمي.

فترة ركود
ومن بوابة الكوادر التمثيلية، قالت الممثلة القديرة رزيقة طارش، إن الدراما الإماراتية تعيش فترة ركود بسبب تراجع الإنتاج وضعف التمويل والاتكال على التلفزيون، على عكس الدراما الكويتية التي اكتسحت الساحة لكونها تتمتع ببيئة مليئة بالشركات الإنتاجية الكبرى التي تتنافس على الإبداع في الشكل والصنف والمحتوى، لهذا نأمل إيجاد بيئة مثالية للمنتجين للخروج من مأزق الموسمية وتجاوز حاجز الارتهان لأفكار وشروط الممول ومزاجية المعلن. مشيرة إلى أن غياب النص الدرامي الجيد وضعف الكادر التمثيلي الذي يتكئ أحياناً على وجوه جديدة، لا تتمتع بأي خبرات تمثيلية، كما نطالب من الجهات الثقافية المعنية بتطوير الفنون تبني مبادرات للارتقاء بالدراما المحلية من خلال إطلاق ورش متخصصة لتشجع الممثل والمخرج والكاتب على الإنتاجية وتطوير قدراته وتقنياته.

الاصطدام بالرقابة
وبرؤية مجهرية بعين النقاد، هناك أسباب أدت إلى تراجع الدراما المحلية واقتصارها فقط على المواسم، حيث لا توجد شركات إنتاج فعلية تتولى تمويل نفسها بنفسها لإنتاج أعمال درامية متنوعة لذلك تعول كثيراً على دعم التلفزيونات المحلية، لكن المخرج والناقد الفني الإماراتي حمد الريامي يصف حال الدراما المحلية بأنها تعيش أزمة عدم وجود كاتب دراما متمرس، ينتج أعمالاً بشكل منتظم تماماً كما هي الحال في السابق، ما سبب فجوة كبيرة أدت إلى قلة وضعف منتج الدراما واقتصاره على المواسم، مشيراً إلى أن الساحة كانت تعج بأسماء عديدة من كتاب سيناريو جيدين، وكانوا يحتفظون في أدراجهم بأصناف درامية مختلفة، يتم إحياؤها بين فترة وأخرى، أما اليوم فالملاحظ عزوف الكثيرين من هؤلاء الكتاب وبعضهم ترك هذه المهنة فيما اتجه آخرون إلى الإخراج السينمائي، في الوقت ذاته يرتطم المحتوى برقابة شديدة تحد من المساحات الإبداعية للكتاب، خاصة في جرأة طرح موضوعات جديدة قد يتم رفضها لسبب أو لآخر، ما يفسح المجال للضخ الدرامي الخليجي ليغرق الساحة بكل الأصناف التي تثير ذائقة المشاهد.

سلطة وتحكم
وبين ثالوث المنتج والممول والمعلن، يؤكد الريامي أن المتحكم الفعلي بالمحتوى الدرامي غالباً ما يكون المعلن الذي يشترط وجود أسماء وأبطال معينين ويقترح تطعيم القصة، أما مهمة المنتج، فتكمن في توزيع الأعمال والأدوار والأجور في العمل، بينما يكون الممول هو صاحب القرار النهائي، ويمكن أن يعطي المنتج تلك الثقة، ويكون المخرج هو المسؤول الرئيس عن الطابع الفني والمحتوى الجمالي، فهو مهندس الأدوار وصانع الحبكة ورؤية العمل، ليقدم من خلاله خلطة مفيدة للمجتمع، كما يتوجب على شركات الإنتاج أن تتوجه نحو أسواق عربية لتسويق أعمالها لعرضها في أكثر من محطة وقناة، ما يسهم في انتشار الممثل الإماراتي لتصنع بذلك بريق شهرة ونجومية له.
وبالحديث عن الحلول والمعالجات لإيجاد صيغة تدعم صناعة الدراما وتساند الفنان المحلي للاستمرار في مشواره، خاصة أن بعض الفنانين ليس له مصدر دخل سوى الفن، قال الريامي يجب عدم الاعتماد على التلفزيون كممول رئيس، ويجب تأسيس مجلس وطني للدراما يجمع تحت مظلته كتاباً وممثلين ومخرجين ومنتجين لبناء شراكة تعاون وعقد صفقات عمل بحيث يتم إيجاد صيغ مشتركة لتحقيق أهداف واحدة وتشكيل سلطة تسويقية للترويج للمنتج الدرامي لمحطات تلفزيونية محلية أو خليجية وعربية، مع ضرورة فتح قنوات خارجية للانتشار والتواصل مع تلفزيونات عربية لعرض مسلسلات محلية خارج الإمارات، ويجب الرهان على قوة المحتوى الذي يستهدف ترفيه وتثقيف الأسرة في المجتمع العربي ككل.

انتشار محدود
وأكد محمد الأفندي، مدير قسم التسويق في وكالة «الشعلة» للإعلان، أن هناك شروطاً ومعايير للدخول كراع رئيسي للمسلسل، أو كمعلن أساسي ضمن العمل الدرامي المحلي، أبرزها أن يكون منتجنا الإعلاني يستهدف المجتمع المحلي، ونتحمس كثيراً أن تكون القصة تنتمي إلى الدراما الجديدة التي تنطلق من الواقع للخيال لتصنع أحداثاً مؤثرة. وقال الأفندي إن إشكالية الدراما المحلية، هي أنها غير منفتحة على المشاهد الخليجي والعربي، سواء في محتواها أو جوهرها الفني، حيث تقتصر في قصصها على محاكاة المجتمع المحلي ضمن نطاق ضيق، لهذا نعتبرها «دراما محدودة الانتشار»، لهذا لا يتحمس المعلن للدخول كمعلن فيها، ما لم يكن منتجه يستهدف المجتمع المحلي نفسه.
ويطالب الأفندي بفرض بعض الاقتراحات على حبكة القصة وإضافة بعض التطعيمات وجرعات التشويق في سياق السيناريو نفسه، وهذا أمر إيجابي يخدم ترويج العمل ونجاحه جماهيرياً، موضحاً أن أبرز الأفكار الدرامية التي تجعل المحتوى مقبولاً ومغرياً بالنسبة للمعلن هو تضمنها أفكاراً تتعلق بالقصص التي تلامس القضايا الشائكة المثيرة للاهتمام والعلاقات الإنسانية التي تحتوي جرعات عالية من التشويق والجرأة، بشكل يتناغم مع القيم والتقاليد، مشيراً إلى أن أهم شرط هو ضرورة أن يكون أبطال العمل من نجوم الصف الأول.

غزو تركي
وفي ظل النجاح الكبير الذي حصدته المسلسلات التركية التي سحبت البساط من الدراما العربية والخليجية، وسرقت اهتمام الجمهور، يتساءل مشاهدون عن عدم وجود صناعة دراما محلية جادة، تحاكي وتقتبس من نجاح تلك الأعمال التي تغزو خارطة البرامج في المحطات المختلفة، إضافة إلى الإشكاليات التي تحول دون استنساخ عناصر الجذب فيها، وهندسة نماذج درامية محلية مشابهة لكي تضعها على طريق الانتشار من أجل تعزيز حضورها وفرض هيبتها وسلطتها الناعمة على الجمهور العربي.
إلى ذلك، أكد مشاهدون أن الدراما المحلية، تحولت إلى فعل تجاري بامتياز، وأصبح الفن محتكراً في مهب المعلن والممول بكونهما المتحكمين في الشكل والمحتوى والقيمة، تماماً كما وصفها المواطن إبراهيم الهاشم، مؤكداً أن الدراما المحلية قدمت نماذج ناجحة، لكنها لم تستمر على الوتيرة نفسها، وأضاف أن الأهم من تكثيف الإنتاج الدرامي، هو الاهتمام بالجوهر والنوعية التي يتم تقديمها لتكون وثيقة ثقافية وترفيهية مهمة تثري مكتبة الفنون الإماراتية.

إنجازات مضيئة لدعم الدراما المحلية
قال عبدالرحمن عوض الحارثي المدير التنفيذي لدائرة التلفزيون في «أبوظبي للإعلام»، إن «أبوظبي للإعلام» تحرص على توفير محتوى درامي فني هادف وفق توجهات تراعي أعلى مستويات الانتقائية وبعناية شديدة، وهو ما لعب دوراً محورياً في خياراتنا التي تركزت سواء في العام الجاري أو الأعوام الماضية، بإجمالي 8 أعمال درامية محلية خلال ثلاثة أعوام.
وأضاف: «عند الحديث عن الإنتاج المحلي، فإنه يتوجب علينا التفرقة بين الدراما المحلية من حيث القصة والموضوع وبين الدراما المحلية التي حظيت بدعم وإنتاج (أبوظبي للإعلام)، وكلاهما يعتبر من الأهداف الإنتاجية التي تمثل ركيزة لخياراتنا.. ففي العام الجاري تميزت خارطتنا البرامجية والإنتاجية بأعمال درامية تاريخية، والتي كان أبرزها مسلسل المهلب بن أبي صفرة، والماجدي بن ظاهر، وأوركيديا».


وأشار إلى هُناك إنجازات مضيئة استطاعت «أبوظبي للإعلام» تسطيرها في دعم إنتاجية الدراما المحلية، وأبرز تلك النماذج مسلسل «حبة رمل» الذي كان بحد ذاته قصة نجاح نفخر بها في «أبوظبي للإعلام»، ومروراً بمسلسل «شبيه الريح»، و«قلوب بيضاء»، و«البشارة»، و«خيانة وطن» التي تمتعت جميعها بتصنيفات متقدمة على قائمة المسوحات الميدانية المتخصصة، ووضعت شبكة قنوات تلفزيون أبوظبي في صدارة المشهد الدرامي العربي.
كما أطلقت «أبوظبي للإعلام»، وفق الحارثي، مسابقة «أرى روايتي» التي تسعى لتحفيز ودعم الطاقات الإبداعية لدى الكتاب والروائيين من المواطنين والمقيمين، عبر استثمار إبداعاتهم السردية في تطوير العمل الدرامي الإماراتي، انطلاقاً من تلمسها للحاجة إلى دراما إماراتية متميزة، تعكس تطور المجتمع وقيمه الإيجابية وما يتمتع به من حيوية وتسامح وتواصل مع الآخر، فعدا عن كونها مبادرة تشجع الرواية الإماراتية من خلال إيجاد منصة درامية لها، فهي أيضاً تعتبر بمثابة ممارسة إعلامية تسعى لاكتشاف المواهب الروائية الشبابية ودعمها.
ولفت إلى أن «أبوظبي للإعلام» تحرص على التنوع الكيفي وليس الكمي، ولهذا يرتبط عدد الأعمال الدرامية والبرامج بتوزيعها وفق طريقة تضمن التنوع والشمولية، لتلبي تطلعات ورغبات المشاهدين، بالنظر إلى تفضيلات الجمهور الذين يفضلون متابعة الدراما العربية على مدار العام.

ضعف الأجور
دقت الممثلة الإماراتية الشابة رانيا آل علي، ناقوس الخطر حول مهنة التمثيل وتراجع أجر الممثل، «كونها لا تؤكل عيشاً» في الفترة الأخيرة، وكانت رانيا قد أعلنت اعتزالها مؤقتا، احتجاجاً على حال الدراما المحلية، ثم تراجعت عن القرار، وقالت إن من بين الأسباب التي دفعتها لذلك، مزاجية المنتجين في اختيار الأسماء وتوزيع الأدوار بحسب مجاملات واعتبارات شخصية، ومصادرة حق الممثلة المحلية من ممثلين من جنسيات عربية، في عمل درامي محلي، إلى جانب هجرة الممثلين إلى دراما أخرى للتكيف مع موسميتها مما يؤدي إلى اعتزاله مهنة الفن، خاصة أن هناك ممثلين يعتمدون على الفن كمصدر دخل وحيد.


وأشارت إلى أن تقليل ميزانية الأعمال تنعكس على أجر الممثل في سوق الدراما المحلية، حيث كان أجر الممثل عن الأدوار الرئيسية قبل نحو 5 سنوات يصل إلى 120 ألفاً عن 30 حلقة، وقد هبط هذا الأجر في السنوات الأخيرة إلى 100 ألف لنفس عدد الحلقات، وألمحت رانيا إلى وجود مسلسلات تركية تستحوذ على الشاشات المحلية تؤثر على هويتنا وتستهدف طمس قيمنا، فبدلاً من دعمها وشرائها، يجب إعطاء مساحات للمنتج الدرامي المحلي وتشغيله بصفته واجهة للثقافة والتراث والتطور الحضاري الذي تعيشه بلادنا.

اعتزال
كانت الفنانة الإماراتية المعتزلة سميرة أحمد قد أعلنت اعتزالها الوسط الفني، بسبب ما وصفته بـ«تجاهل الفنان المحلي» على حساب وجوه جديدة ونشطاء «سوشال ميديا» لا علاقة لهم بالفن لا من قريب ولا من بعيد، وهناك فنانات في طريقهن للانسحاب بسبب موسمية الأعمال وضعف الأجور وغياب الدعم والاحتواء، إلى جانب أسباب جوهرية تتعلق بعدم وجود تنوع درامي وزخم إنتاجي يساهم في تطوير أدائهن وتعزيز حضورهن وانتشارهن.

قوة المحتوى
لفتت سمية عطا أردنية، إلى أن نجاح الدراما المحلية مرهون بقدرتها على مواكبة تطورات الدراما الحديثة في مختلف عناصرها أسلوباً وشكلاً ومضموناً، بهدف تحقيق عنصر الجذب والإقناع لتكون ضمن مؤشر اهتماماته واختياراته، مشيرة إلى أهمية قوة المحتوى الذي تتناوله على سبيل المثال قصص وحبكات رشيقة عن الحب والجرائم والعنف والفانتازيا وغيرها.

ميزانيات وكوادر
الفنان منصور الفيلي، يقول إنه بدلاً من ضخ ميزانيات لأعمال لا يشاهدها الجمهور، يمكن توجيه تلك النفقات إلى إنتاج أعمال درامية مميزة وضخمة، لتبقى كوثائق مهمة، ومن خلالها يمكن إنعاش الدراما المحلية وضخ مواهب وصناعة خبرات جديدة.


ولم يفوت الفيلي حديثه من دون طرح حلول ناجعة، تكمن في استقطاب كوادر فنية وإنتاجية صاحبة مشاريع كبرى ناجحة والتعاقد معها في تغذية خبرات الكادر الفني المحلي، والمضي قدماً في بناء شراكات تعاون مع مؤسسات إنتاجية عربية، لتنفيذ أعمال درامية يمكن الاستفادة منها كنموذج لأعمال ناضجة بالمستوى نفسه.

خارج الموسم
تفضل المشاهدة جيهان حمدون، متابعة الدراما المحلية والخليجية خارج الموسم الرمضاني، لكونها تجد في ذلك أريحية أكثر في المتابعة بعيداً عن الضغط الكبير والضخ الدرامي المتنافس على حصد مشاهدات أكبر، وتستغرب جيهان غياب أعمال محلية في الأيام العادية، وتتعطش إلى الكوميديا الاجتماعية لكونها أكثر ما يبدع فيه صانع الدراما الإماراتي.